أنتِ وبغداد
هذه بغداد.. أدخلها بمحبة وسلام وزهو.. هذي معبودة الحالمين بالعلا والمجد.
ميدل ايست اونلاين
بقلم: ماجد أحمد السامرائي
أنتِ وبغداد.. وجعي
ولحظات من حلمي المنثور على خارطة قرأنا أبجديتها في مواسم التاريخ البهي..
وقطرة من دمي المهدور على قارعة الطريق المدجج بحراب هولاكو وسواطير البرابرة الحفاة الماكرين الغادرين..
أنتِ وبغداد.. حزني المكلل بنياشين التوطن في شرايين قلبي المدمي بحبك..
مذ فارقتكِ في لحظة من التمزق ما بين الموت والحياة.. كنت اقرأ مرثيتي في عينيك الذابلتين.. وقاومت وصبرت..
وحينما رحلتُ عنك.. يا بغداد الى أسوار الحرية، كنت قد استأذنت تاريخي للسكون لحظة عن وجع الحب القاتل.. لمداواة جرحي النازف لبرهة أو لحظة سكون..
لم تكن تلك وصمة عار.. أو بحثاً عن مال أو جاه.. بل مهلة واستراحة لمحارب انكسرت رايات جحافله في لحظة جنون.. لكنني لم أفتقد بوصلة الانتظار.. ليوم أو شهر أو دهور..
لأنك ملهمتي في صباي وشبابي.. كنت مرشدي.. أنت التي دغدغتِ عواطفي وقلت لي ذات يوم:
هذه بغداد.. أدخلها بمحبة وسلام وزهو.. هذي معبودة الحالمين بالعلا والمجد.. هذه شوارعها الناطقة بالحب والألفة.. تلك مآذن الكاظم وشبابيك قادر الكيلاني.. وعلي جنبات أبي حنيفة لنا أعمام واخوال نبشرهم بالقادم من سامرا.. بالماسك بالأمل بين يديه الطريتين..
كان القرنفل والمسك يعط من تلافيف عباءتك الحريرية.. وأنتِ تمسكين بمعصمي الطري تدلفين الى هذا البيت أو ذاك في جنبات الرصافة أو الكرخ وحكايات أزقتها عن مواسم مقاومة العبودية والاستعمار..
وفجعتُ كما أنتِ بارتال الجراد المفترس لعروسة العصر بغداد.. يأكل الأخضر قبل اليابس.. ويطفئ النور في محارب التاريخ.. يكسُر رماح المعرفة بمعاول الهمجية الغادرة السوداء القادمة من الشرق يغرسها في صدور قرائه ومرشديه.. وينكس الاعلام ويخرس الأصوات في مساجد الله ومراقد الأئمة الطاهرين.. ورموز النور والصالحين..
ويحرق سجادة النخيل من بساتيننا.. ويعبثُ بمواقد القهوة العربية من دواويننا وبمباخر التوحيد من تكايانا.. وفاء لكسري والتلمود
ويحقنُ الموت في شرايين مستقبلنا..
مهما يقولون عنكِ وعن بغداد وعن كل مواكب النور والحرية..
فمواسم الاعصار والطوفان تأتي في لحظة من غياب الوعي وارتجاج التاريخ.. وستعودين أنتِ يا ملهمتي.. بغداد كما كنت قبل ألف عام مرفوعة الرأس.. مكللة بالحب.. زاهية بالنور.. وطاردة كل الظلام.. أما أنت يا مرشدتي فستظلين كما كنت ملهمتي.. وروحك تجالسني كل صباح.. توزع الياسمين والقداح.. وتمر البصرة الفيحاء.. ومن لفائف جذائل شعرك البني يفوح عطر حناء الفاو.. حيث تعبث بجوزة من جبل تمتد جذوره في أعماق العراق..
فأنت وبغداد.. عينان للأمل..