تحسن أمني وتعايش اجتماعي
محمد عبد الجبار الشبوط 22/11/2007
يعود احد اسباب التحسن الامني في العراق، بمعنى انخفاض مستوى العنف، الى اكتمال عملية الفرز الطائفي في معظم مناطق بغداد المختلطة مذهبيا، بحيث اصبح المواطن الشيعي او السني آمنا في منطقته المذهبية، لكن ليس معلوما كيف سيكون الحال لو انتقل أي منهما الى منطقة مغايرة مذهبيا.
في السابق كانت اغلب مناطق بغداد مختلطة مذهبيا، بشكل يصعب فيه ان تجد منطقة خالصة من هذه الناحية، وكانت الحياة تجري بصورة طبيعية في هذه المناطق من حيث الاختلاط والتعايش والتزاوج بين سكانها من المذهبين، وكان من المعيب اجتماعيا ان يسأل المرء صاحبه عن مذهبه في هذه المناطق. وبعد اندلاع اعمال العنف الطائفي بعد تفجير مرقدي سامراء في فبراير من عام 2006 انطلقت اعمال الفرز او التطهير العرقي، وكانت في اغلب الاحيان دموية الطابع، وكان سكان المناطق من المذهب المغاير يتلقون تهديدات بوجوب المغادرة والا واجهوا مصيرهم قتلا. وقد لعبت القاعدة والمليشيات المتطرفة مذهبيا، من الشيعة والسنة، دورا كبيرا في تهجير ما يقارب الاربعة ملايين انسان اضطروا الى ترك منازلهم وممتلكاتهم ومناطقهم وتوجهوا الى مناطق مماثلة مذهبيا لهم طلبا للامن والسلامة.
الامن الحقيقي هو ان يشعر الانسان بالامان وهو يعيش في منطقة مختلطة مذهبية، حين يكون هو من مذهب، وجارة من مذهب آخر، وحين يكون بوسع التجار والكسبة من المذهبين العمل معا في الاسواق، وحين يتمكن الناس من المذهبين من التجوال معاً في نفس الشارع، وحين يقف جنديان او شرطيان من مذهبين مختلفين في نقطة سيطرة وتفتيش واحدة، وحين يشعر الانسان بالامان وهو يتعامل مع شرطي او جندي من مذهب مغاير.
مع التحسن الامني الاخير، بدأت اعداد صغيرة من المهاجرين بالعودة الى مناطقهم. وليس بوسعنا ان نتحدث عن ظاهرة هجرة معاكسة حتى الان، رغم ان المهجرين، الداخليين والخارجيين، يتحفزون للعودة الى بيوتهم، لأسباب كثيرة منها ضرورة العودة الى اعمالهم الحكومية او الحرة وهي في مناطق سكنهم الاصلية في اغلب الاحيان، وضرورة عودة ابنائهم وبناتهم الى المدارس، اضافة الى ان الصعوبات التي يعانون منها في مناطق او بلدان الهجرة القسرية لا تقنعهم بالبقاء حيث هم.
لكن هذه العودة مازلت مترددة وخائفة لأن الصورة مازالت غير واضحة امام المهجرين، فيما يتعلق بكيفية استقبال سكان المناطق التي كانت مختلطة، وانفزرت طائفيا اثناء الحرب الاهلية، والتي سوف تعود الى صفتها المختلطة بعودة من تركها اليها... كيفية استقبال هؤلاء لجيرانهم السابقين في ظل الصوت المسموع للهوية الطائفية، مقابل الصوت الخافت للهوية الوطنية.
تتطلب هذه المشكلة حلا، والحل الجذري يكمن بطبيعة الحال في انبعاث الهوية الوطينة مرة اخرى، وهذه لا يمكن ان تعود مالم تظهر مشاريع اجتماعية وسياسية ورياضية وترفيهية وتربوية تتمحور حول ضرورة التعايش بين ابناء الوطن الواحد من ابناء المذاهب والطوائف والاديان المختلفة.