هل ممكن ان يكون هناك أنفال جديدة مسيحية هذه المرة بعد 20 عاماً على الانفال الكردية...هل ممكن ان يكون هناك انفال كردية ثانية في ذكرى مرور 20 عاماً عليها...ام انها انفال على كافة قوميات الشعب العراقي والكردي والعربي ايضاً ممن هم ضد التعصب والارهاب والتقوقع والانغلاق وفرض اسلوب الرأي الواحد والاولوية.......
هل هذا مايريده البعض ان يجددوا الذكرى بها، بأنفال اخرى ....هل ممكن ان يطلق هؤلاء على أنفسهم وطنيين ومن البشر..
دعوة ألى كل القوة الخيرة العراقية على اختلاف انواعها واديانها وقومياتها. وألقوة العربية والاسلامية والدولية، لتدويل مأساة الانفال وحلبجة..لاجل ان لاتتكرر ثانية..ولتتوقف حمامات الدماء والذبح والهمجية التي تمارس يومياً في عراقنا الحبيب.
أذ ان مايحدث الان ومنذ اكثر من سنتين هي الانفال بعينها ولكن بشكل أكثر موسع ليشمل كل شرائح المجتمع العراقي وأديانه الذين لاتنطبق دياناتهم مع ديانات هؤلاء السلفيين والمرتدين عن الدين ومن لادين لهم فيشككون زوراً وباطلاً في ديانات الاخرين. ولم يدخرو وسيلة الا واستخدموها في قتل الابرياء والتمثيل بهم بشكل لم يشهد التاريخ له مثيل.
مسيرة الصراع من بلغاريا الى الانفال في ماردين...
20 عاما خلت ولم نستفاد حتى الان من التجربة ولم نرتوي من دماء ابناء الوطن المهدورة. ومازلنا لم ننتهي من دفن موتانا وشهدائنا..واليوم أرى في هذه الايام، كردستان تلبس حلة الشهادة وتخيم في اجوائها 372 روحاً تم تحريرها اليوم من قناصيها وخنادقها الذين كتموا انفاسهم فيها وهم أحياء..
ان من لم يرتوي من مأساة الشعب الكردي لينظر الصور ادناه..ويتذكر ماخلفته الانفال من مأسي والام ليس فقط للشعب الكردي وانما لشعبنا السوراية (الكلداني السرياني الاشوري) أيضاً الذي كان يعيش جنباً الى جنب مع الشعب الكردي كل في قريته وناحيته..بسلام ووئام وألفة وجيرة ومحبة مابعدها محبة..كل على طريقته وتقاليده ودينه وايمانه ومعتقداته ورقصاته..وشعائره واحتفالاته..وهكذا ايضاً الاخوة الايزيدية الذين كان لهم ايضاً الحصة الاكبر من الانفال بعد حصة الاكراد...
ماكانت الارض بقادرة ان تحملنا وماكانت صدورنا نحن الطلبة في بلغاريا قادرة لان تحمل قلوبنا الحزينة الباكية،التي كانت تتمزق من الالم والكيمياوي الذي مجرد اسمه كان يجعلنا نحترق مثلما أحترق به اهلنا وأبناء الشعب الكردي في الانفال...
عندما وصلنا خبر الانفال، لم ندخر جهد لاظهار أحتجاجاتنا وتضامننا ومعارضنا التي عرضنا فيها صور الانفال والاطفال المحترقين بالغازات الكيمياوية (انظر الصور أسفل) واتصلنا بكافة المؤسسات الرسمية في بلغاريا وبالسفارات الاجنبية وتظاهرنا امام السفارة الامريكية والعراقية..وأتصلنا بكل ذو خير..بكل ذو ذمة وضمير..ولكن هيهات. لم نحصل الا على البعض من التضامن...ولكن لم يخرج شئ منه في الصحف ولم تعلن اي دولة او مجلس او منظمة في العالم عن احتجاجها.
كان قد مر 5 سنوات على فراقنا انا وابو ميسون بعد ان كان قد عاد مرة اخرى في منتصف 1984 الى موقعه في حركة انصار الحزب الشيوعي العراقي في كردستان العراق الذي كان التحق به في بداية عام 1979 بعد الهجمة الشرسة لحزب البعث على الشيوعيين العراقيين وكل القوى الخيرة واحزاب المعارضة الكردية والقوة التقدمية الاخرى.. وانهيار الجبهة الوطنية....
كان ابو ميسون ورفاقه والمحظوظين من شعبنا الكردي والسوراية من الذين نجو واستطاعوا أنقاذ ماأستطاعوا الوصول اليه من العوائل والارواح المدنية....ولكن كان هناك من تخلف عن قافلة النجاة من قرى كثيرة لشعبنا الكردي والسوراية والازيديين.... فأبيدو وأحرقو وقتلوا رمياً بالرصاص ودفن البعض احياء في مقابر جماعية.
وذلك لان غازات الكيمياوي وقوات وطائرات وارتال المدرعات والمدافع التابعة لصدام والجيش العراقي الذي زجه صدام فيها، اكتسحت القرى وأهاليها وحولتهم الى ركام.. وكانت قد أخمدت روحهم المسالمة الى الابد..واردتهم افواجاً من الموتى هم وعصافيرهم ومواشيهم ومزروعاتهم واشجارهم الباسقة وردمت وخربت عيون وينابيع الماء وأغلقتها بالكونكريت....وأختفت من الوجود عوائل وعشائر كاملة...وهاهي كردستان تضمد البعض من جراح ابناءها اليوم..بأيواء 372 من ابناءها في مثواهم الاخير في الارض الزكية ألطاهرة التي اعدت لهذا الغرض...
ان رحلتنا انا وابنتي ميسون البالغه 6 سنوات في حينها، من بلغاريا للوصول الى مخيم اللاجئين في ماردين كانت ضرب من الخيال والبحث عن ابرة في رمال الصحراء..بلغاريا التي كانت تركيا قد استعمرتها 6 قرون، ماكانت لترضى ان تمنح لاحد طلبتها تأشيرة خروج الى تركيا ودخول الى اراضيها مرة اخرى..ولكن أفلحت في ذلك بعد ستة أشهر واصرار وجهد جهيد.
سافرنا بالقطار من صوفيا الى اسطنبول والشكر لمجمع الكنائس ولكنيستنا الكاثوليكية التي مدت يد العون لي في اسطنبول للبحث ومعرفة مكان أقامة ابو ميسون وفي اي مخيم يتواجد هل هو ماردين ام دياربكر ام سلوبي...وأقمنا ليله في دير الراهبات في اسطنبول.
ومن اسطنبول بمساعدة الكاهن الذي اوصلنا الى محطة الباصات، قطعنا بالباص لنهار كامل نصف تركيا للوصول الى دياربكر..وكان علي مقابلة الوالي للحصول على تصريح لدخول المخيم، الذي بدوره ماكان ليسمح لي، انا القادمة من البلد الجار بلغاريا العدو اللدود لتركيا، لادخل مخيم اللاجئين الخاضع للسرية التامة..وبعد البحث في القوائم اتضح ان ابو ميسون في ماردين..ومن هناك كان علينا السفر مرة اخرى لاكثر من 4 ـ 5 ساعات وهذا معناه عندما نصل سيكون مكتب المخيم في ماردين قد أغلق..وما العمل و لااحد يعلم ماذا ينتظرنا من مصير مجهول والبقاء في العراء..
ولكن الاخوة الاكراد ممن يعملون سواق ماكان ليرضيهم ذلك وتبرع عشرات منهم لايصالنا على سرعة البرق قبل ان يغلق مكتب مخيم ماردين ويذهب الوالي الى بيته..فتم اختيار واحد منهم..وقام الوالي في ديار بكر بالاتصال بماردين بعد الكثير من النقاشات عن سياسة بلغاريا وتركيا..وزيادة الطين بلة جهلي الكبير أنذاك بتاريخ تركيا المعاصر نتيجة التعتيم في بلغاريا انذاك...الذي أستاء منه الوالي....
في ماردين كان الخبر قد انتشر بسرعة البرق بوصول ضيف من اوروبا ليحل ضيف عليهم...وكانت المفاجئة أكبر لان أحداً ماكان يعرف ان سردار ـ الاسم الحركي لوردا البيلاتي (أبو ميسون) متزوج وله بنت. فكانوا يقولون له هل انت مجنون فماذا تعمل معنا هنا طوال هذه السنوات في ذلك الضيم، ولماذا لست في اوروبا مع عائلتك. والجواب كان لاننا كنا نناضل من أجلكم.
من اجل خير وحرية ومساواة وحقوق الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه بدون اي تفرقة وتمييز وتفضيل جنس على الاخر.
والكل في المخيم كان قد بدأ العدة لاستقبالنا..رفض سائقنا الكردي استلام اي مبلغ لقاء جميله. في مكتب ماردين.. لم يسمح لي المسؤول عن المخيم بالمبيت في المخيم بعد ان رفض والي ماردين ذلك.. انا الاجنبية الاتية من البلد الخصم رغم انني عراقية وزوجي في المخيم..ولم تفد شهادة الزواج وشهادة ميلاد ميسون.. وكان ينظر مستغرباً الى هندمتنا أنا القادمة من اوروبا مع ميسون واذا كنت فعلاً اعني ماأقوله وهل فعلاً سأستطيع الاقامة في الاوضاع الغير مريحة في المخيم أليس الاجدر بي ان أقيم في فندق. وكنت اقول له انا لست بأفضل من زوجي والشعب الكردي الذي اجبر على هذه الاوضاع المزرية.
واخيراً هدد الشعب الكردي الناجي من الانفال بأحراق الخيم اذا لم يسمحوا لي بالدخول مع ميسون..وحصلنا على موافقة ليومين..ولم يرضي ذلك الاخوة اللاجئين في اللجنة المشرفة على المخيم، وقالوا سنتفاوض لاحقاً على ذلك.. ونحن نريد موافقة لاربعة عشر يوماًً.
كان لقاء لاينسى مع ابو ميسون بعد فراق 5 سنوات..وأول لقاء لميسون مع والدها التي كان عمرها سنة عندما تركها عائداً الى الانصار. ومع الكثير من الرفاق والاصدقاء والاقارب مثل دروك و فهيمة (ام نزار) والشعب الكردي الذي طالما سمعت عن تضحياته..ولكن ماكان لي معه عشرة...وتعرفت على د.كاترين وزكية وحليمة واسيا ام ايفان وسمكو وابو ايفان وهشام وصبحي وابو روزا وكوفان وابو سوزان وابو عوف وسلام فواز.....وعذراً من الكثيرين ألذين لااتذكر اساميهم...
رست المفاوضات بين الوالي ولجنة المخيم على أثني عشر يوماً قضيتها مع الشعب الكردي في الخيم في العراء.. بين شهري شباط ـ أذار 1989 والبرد شديد والرياح كانت تقتنص في كل ليلة عشرات الخيم فتسقط على ساكنيها ليلاً وهم نيام وكان لخيمتنا حصة منها في احدى الليالي المزمجرة.. تحت رقابة الميت (المخابرات التركية) لخيمة صوفي البامرني التي كنا محسوبين ضمن عائلته وعشنا معهم...
عشت 12 يوم مع عائلة صوفي بامرني (ابو صبحي) في مخيمات اللاجئين الاكراد في ماردين ـ تركيا بعد حملة الانفال والكيمياوي المشؤومة التي قام بها صدام وكادره، مع ابنتي ميسون البالغة 6 اعوام حينها وابو ميسون.. كل شعب المخيم البالغ عدده 30.000 الف كان باستقبالنا وفي توديعنا وكان لي معهم جلسات واحاديث وطعام مشترك في الخيم الكثيرة التي حليت ضيفة عليهم واستمعت اليهم وفي أعراسهم الكثيرة والتي كانت تدل على اصرار الشعب الكردي على مواصلة الحياة والعطاء.
الشعب الكردي في المخيم الذي لم يستطع صدام ان يكسر عوده ولم تستطيع القوات التركية وواليها ان تثنيه عن الاحتفال بنوروز وياللصدفة فالوالي ايضاً كان اسمه نوروس.. ورُفض طلب اللجنة المشرفة على المخيم للنزول الى مدينة قزل تبه لشراء تايرات لاشعالها احتفالاً بنوروز فما كان من اللجنة واللاجئين الا ان هددوا بأنزال بعض الخيم واستخدام عواميدها الخشبية لحرقها وحينها هرع نوروس الوالي ووافق على شراءهم للتايرات التي علقت على كافة عواميد الاسلاك الشائكة التي تحيط بالمخيم..
ولما بدأت النيران تعمل في التايرات المطاطية..هرع أهالي ماردين بسياراتهم بأتجاه المخيم للنجدة ظناً منهم بأن المخيم يحترق..فتفاجئوا حينما وجدوا شعباً يرتدي اجمل ملابسه التراثية الزاهية ويرقص في نوروزه فبدأوا يرقصون معهم من خلف الاسوار ويتضامنون معهم..وترك ذلك وقعاً ومفاجئة كبيرة عند الاتراك الذين لم يسمحوا أبداً من قبل بأحتفالات نوروز في القرى الكردية التركية.. ولكن لم يستطيعوا أن يكسروا أصرار الشعب الكردي في مخيم الاسلاك الشائكة.
الشعب الكردي الذي استطاع وبقيادة احزابه المناضلة الحزب الديمقراطي الكرستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي والقوة التقدمية الاخرى ان يعيد تنظيم شؤون مواطنيه ويضع لجنة لادارة شؤون المخيم ووزع الاهالي كل ضمن مجموعة قريته وعادت اسماء القرى تلعلع مرة اخرى في المخيم مثل كوري كافانة ودوسكي وكونداكوسة وموسكا وبرواري بالا، مجمع خانك ، مجمع شاريا ، داكا، بوزان، خورزان كرسافا، طفطيان ، دوغات ، ختارة مزن،باعذره ، ايسيان ، عين بقري ، عين سفني ، بعشيقة وبحزاني ، و مجمع الجزيرة في سنجار و ..و...وكان هناك ايضاً بعض عوائلنا السوراية من قرية كوري كافانه وقرية موسكا الذين كانو محسوبين على الحركة الديمقراطية الاشورية والحزب الشيوعي العراقي وعوائل اخرى كثيرة مستقلة.
</STRONG>
عدل سابقا من قبل في الخميس يناير 24, 2008 11:27 pm عدل 1 مرات