أصــل عـيـد الصليــب
ـ يخبرنا التاريخ الكنسي أن القديسة هيلانة والدة الامبراطور الروماني [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الكبير، وجدت بالقرب من الجلجلة الصلبان الثلاثة التي مات عليها الرب يسوع واللصان رفيقاه وأن الأسقف مكاريوس الأورشليمي اهتدى إلى تمييز صليب السيد المسيح عن الصليبين الآخرين بفضل أعجوبة تمت على يده إذ أنه أدنى الصلبان الواحد تلو الآخر من امرأة كانت قد أشرفت على الموت فلم تشفى إلا أن لمست صليب الرب يسوع المسيح, ويذكر أنه لكي يتم توصيل الرسالة إلى روما فقد تم إشعال النيران على رؤوس الجبال الممتدة من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حتى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ـ كما يذكر أوسابيوس القيصري (260؟ + 343) بأن الملك قسطنطين الأول الكبيـر (324 ـ 337) رأى علامة الصليـــب في السماء مع هذه الكتابة (بهذهِ العلامة تغلب). فأتخذ لجيشه راية الصليب وبذلك هزم خصومه بها، فدخل روما منتصراً، وكسـر أصنامها.
ـ وفي أورشليم بنى قسطنطين الكبير بناية عظيمة تشمل ثلاث كنائس في مكان الجلجلة والقبر المقدس.
ـ قيل أن هرقل إمبراطور الروم (610 – 641 م) أراد أن يرد الصليب إلى كنيسة القيامة بعد أن كان قد استولى عليه الفرس، فأراد أن يحمله بنفسه فلبس الحلة الملوكية، وتوشح بوشاح الإمبراطور، ولبس تاج الذهب المرصع بالأحجار الكريمة، ثم حمل الصليب على كتفه، ولما أقترب من باب الكنيسة ثقل عليه فلم يستطيع أن يدخل به – فتقدم إليه أحد الكهنة وقال له: اذكر أيها الملك أن مولاك كان حاملا الصليب وعلى هامته المقدسة إكليلا من الشوك لا إكليلا من الذهب فلزم أن تخلع تاجك الذهبي وتنزع وشاحك الملوكي.. فعمل بالنصيحة ودخل الكنيسة بكل سهولة.
ـ في البداية لم تكن علامة الصليب هي علامة المسيحيين، بل كانت العلامة المميزة هي السمكة (وهي رمز إلى يسوع المسيح الإله المخلص) أو (الراعي الصالح).
ـ مع مرور الزمن نضج الفكر اللاهوتي المسيحي وبدأت الكنيسة ترى بأن الدخول في سر الإيمان لا يمكن إلا من خلال الصليب وبالتالي لا يمكن أن نفهم سر الصليب إلا بالإيمان. فالصليب هو آلة إعدام العبيد ومثيري الشغب إنه آلة الخزي والعار، لكن الله غير من معناه فصار عنوان قدرة الله وحكمته.
لماذا آلة الموت أصبحت رمزا للمسيحية؟
الموت هو أكبر لغز في حياة الإنسان. كل ما نبنيه أو بنيناه لسنوات طويلة، كل ما هو جميل في وجودنا البشري يبدو وكأنه يذهب كالبخور في لحظة الموت. وهنا في قلب الإيمان المسيحي، نجد رمزا لحالة الموت ناتجة عن العنف البشري.
فكرة الموت في الحقيقة، ليست في قلب البشارة الإنجيلية. بل العكس فالإعلان عن الحياة في الإنجيل أقوى من الموت: بشارة الملاك لزكريا ولمريم العذراء الرعاة المجوس ... بدء البشارة في أعمال الرسل يقول القديس بطرس: "أنتم الذين قتلتم يسوع الناصري أقامه الله..." لهذا مركز الإعلان هو القيامة.
على ضوء ذلك، تغير معنى الموت في المسيحية. فبدون الثقة والإيمان في الحياة بعد الموت، يبقى الكيان البشري مشلولاً بالخوف من ثم نصل إلى حافة الهاوية التي لا نجرؤ على مواجهتها. لكن عندما نفكر في كيف الرب يسوع يقدم كل ما لديه "ذاته" من اجل الحب نفهم كم أن الحياة ثمينة. وبالتالي يصرخ القديس بولس فيقول: "أين غلبتك يا موت أين شوكتك يا موت" (1 قور 15: 55) فالخوف من العدم، أو من المجهول يعبر عنه في الرسالة إلى العبرانيين: "ولما كان الأبناء شركاء في اللحم والدم، شاركهم يسوع كذلك في طبيعتهم هذه ليقضي بموته على الذي بيده سلطان الموت، أي إبليس، ويحرر الذين كانوا طوال حياتهم في العبودية خوفاً من الموت" (عب 2: 14-15).
إذن بمشاركة المسيح حياتنا البشرية حتى في الموت يمكن أن تصبح اللغة قادرة على التعبير فالرب يسوع يعلمنا قانون حبة القمح :" إن لم تقع حبة القمح في الأرض وتموت، تبقى وحدها، وإذا ماتت، أخرجت حباً كثيراً" (يوحنا 12: 24). هذا القانون لا ينطبق فقط على الموت الجسدي. بل ايضاً على ان الطريق الى الحياة لا محالة إلا عبر الموت. من هذا المنطق الموت الأول الذي يحل بالإنسان هو يوم ميلاده، حيث يترك المولود الجديد مأوى رحم الأم لمواجهة صعوبات الوجود. وفي التاريخ المقدس، لدينا مثال حي على مثل ذلك الموت إبراهيم ، الذي دعي ليترك ورائه العالم المعروف ويشرع في مغامرة مع الرب الإله الغير معروف لمصيرٍ مجهول (انظر التكوين 12: 1-4). وفي وقت لاحق ، نجد مثلا آخر شعب إسرائيل الذي يجب عليه عبور صحراء التجارب للوصول الى ارض الميعاد. وهذا ما يرمز إليه يسوع بصليبه الذي هو وحي كامل لديناميكية حقيقية الحياة: "من أراد أن يحفظ حياته يخسرها، ومن خسر حياته يجدها (لوقا 17: 33).
هذه الكلمات بالنسبة لغير المؤمن هي تناقضات، الموت الحقيقي هو رفض الله. من هنا صليب المسيح يكشف لنا أن طريق الموت لا يتعارض مع منطق الحياة. وبذلك نفهم أن الصليب والقيامة هما وجهان، واحد مظلم وواحد نيّر، لكن شيءٌ واحدة يوحدهما ألا وهو الحب، الذي يهب الحياة.
هل يمكن أن تخلصنا معاناة شخص بريء؟
أغلبيتنا شاهد فلم الآلام الأخير الذي أحدث ضجة كبيرة. نحن نعلم ان يسوع عانى الموت المروع. الصلب كان احد أنواع التعذيب الأكثر عنفاً في العالم القديم، وبالنسبة الى اليهود، كما أنه كان علامة على لعنة من الله (سفر التثنيه 21: 23 ؛ غلاطيه 3: 13). والآن، فان العهد الجديد الذي يجعلنا نفهم ذلك، بأن الصليب لن يصبح علامة الفشل او الإدانة ، بل أداة خلاصنا (على سبيل المثال ، غلاطية 6: 14؛ كولسي 1: 20). فلا عجب اذا انت تتصارع دائما من اجل فهم كيفية تحول المعنى في الكتاب المقدس لمعنى الصليب من السلبي إلى الإيجابي.
بالفعل، عدم إدراك المعنى الحقيقي للصليب لسنين عديدة يجدر بنا أن نعترف بعدم تقدمنا في المعرفة والتقدم الذي يشهده إيماننا اليوم. فبعد تبشير الرسل بالإيمان ظهرت بدع عديدة تشوه حقيقة الإيمان فلم تقبل أن يكون مصير يسوع مثل مصير أي إنسان عادي. لهذا مثلا الإسلام لا يقبل بأن يعلق المسيح على الصليب كونه "كلمة الله" بل يقولون "إنه شبّه به". كما ذهب البعض الآخر بعدم قبول فكرة الصليب كون ذلك يجعل من الله الذي هو أب يتواطىء مع العنف ضد ابنه. كما أعتمد آخرون على أن فكرة أن الله يرضى بموت إنسان بريء غير مقبولة لانها تجديف. الكتاب المقدس يذكر أن الله لا يرضى بموت الإنسان الشرير (حزقيال 33: 11)، كيف يمكن ان نرضى بعدما قال الله "أنت ابني الحبيب الذي عنه رضيت" يرضى بموته؟ (يوحنا 10:10).
من أين يأتي سوء فهم معنى الصليب؟ من بين أمور عديدة، هناك أولا وقبل كل شيء مشكلة من القراءة السطحيه لنصوص الكتاب المقدس التي نجد فيه نصوص تأليفية بها أبعاد إجتماعية نفسية ثقافية يمتلكها الكاتب. كما أننا ننسى بُعد مهم جداً ألا وهو الحب. فكل ما يمكن أن تعطيه الحياة هو الحب. اذا الحب لم يكن فيه نوع من الألم يجدده ويقويه لن يكون حب حقيقي.
هنا أدعوكم مرة أخرى إلى قراءة الكتاب المقدس لتكتشفوا محبة الله لشعبه ... هذا ما يبدو واضحاً في إنجيل يوحنا حيث بعد الألم هناك الفرح والسعادة: "ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه لأجل أحباءه" (يو 15: 13).
في عبارة "المسيح تألم من اجلكم" (1 بطرس 2: 21)، تعبر عن البعد الحقيقي لحضور الحب ووجوده. في يسوع المسيح يتزوج الله بالبشرية. الصليب هو أكبر تعبير عن تضامن الله المطلق معنا (انظر فيلبي 2: 6-8). وعندما يكتب القديس بولس عن مقاسمة المسيح معاناتنا فهو يعبر عن رغبته في تباعة الرب يسوع (2 كورنثوس 1: 5 ؛ فيلبي 3: 10؛ كولسي 1: 24)، بحيث ينفق كل ما لديه ويخسر ويعتبر ذلك ربحا للمسيح.
يكتب مار افرام بمناسبة عيد الصليب...فيقول
تعالوا يا إخوتي لنتلقى عود الصليب المكرم
لأنه اليوم ارتفع الصليب وخلص العالم من الطغيان
اليوم ارتفع الصليب وهربت الشياطين
اليوم تجددت الكنيسة واستنارت الخليقة وسلب الموت وفضح الجحيم
وتحطمت أبواب النحاس وفرحت قوات السماء
اليوم فتح للص باب الفردوس وأعتق ادم أبو البشر
برسم الصليب نصب الله فردوس النعيم في المشرق
برسم الصليب انبع الله عين ماء في وسط الفردوس وقسمها أربعة انهار
برسم الصليب بنى هابيل مذبحا لله وأصعد عليه قربانا مقدسا"
برسم الصليب صنع نوح الفلك كما أمره الله
برسم الصليب كتف إبراهيم ابنه الحبيب ورفعه على المذبح
برسم الصليب مسح موسى الأبواب بدم الخروف
وخلص الشعب من الموت المر
فالسلام عليك أيها الصليب الكريم
أنت مجد الأنبياء..... أنت بهجة الرسل
أنت أبو الأيتام.... أنت عزاء الأرامل
أنت صائن العذارى.... أنت حافظ الأطفال
أنت نور الذين لا نور لهم
السلام عليك لأجل انه علق عليك كلمة الله الأزلي
الذي له المجد مع الآب والروح القدس إلى الأبد. آميـــــن