هل يخلو الشرق الأوسط من مسيحييه؟
الحياة اللندنية
احمد ذياب
شاءت المقادير أن تكون منطقة الشرق الأوسط مهبطاً للديانات التوحيدية الثلاث: اليهودية، المسيحية، الإسلام، وتعايش المؤمنون بهذه الديانات جنباً إلى جنب محافظين على تراثهم ومقدساتهم، ولم تخل المنطقة من أتباع لإحدى الديانات الثلاث على مر التاريخ، وإن كانت هناك غلبة للإسلام مقارنة باليهودية والمسيحية، والأخيرة حافظت على وجود مهم ومكانة معتبرة في المنطقة خلال الألفي عام الماضية، لكن هذا الوجود وتلك المكانة مرشحان للتغيير في الألفية الثالثة، فالوجود المسيحي في المنطقة يسير إلى مزيد من التناقص الحاد، وربما التلاشي في يوم من الأيام إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه.
فالإحصائيات تظهر مثلا أنه لم يعد في تركيا سوى 80 ألف مسيحي (1 في المئة من السكان) بعد أن كان عددهم في حدود مليونين (15 في المئة) عام 1920.
وفي إيران التي تضاعف عدد سكانها تقريباً منذ الثورة الإسلامية عام 1979، هبطت أعداد المسيحيين في البلاد من حوالى 300 ألف نسمة إلى حوالى 100 ألف فقط، أما في المشرق العربي فإن الصورة أوضح. ففي منتصف الخمسينات الماضية شكل المسيحيون نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة من جملة سكان دول عربية مشرقية عدة، وهم الآن لا يشكلون أكثر من 10 في المئة.
ففي سورية كانت نسبة المسيحيين تقارب ثلث عدد السكان في مطلع القرن العشرين، أما الآن فنسبتهم هي أقل من 10 في المئة، وفي لبنان كان المسيحيون يشكلون في عام 1932 نسبة 55 في المئة من السكان، أما الآن فهم أقل من 30 في المئة.
أما القدس فلم يعد فيها سوى 2 في المئة من المسيحيين بعد أن كانت نسبتهم 53 في المئة عام 1922، وحتى مدينة بيت لحم والناصرة، وهما أكثر المدن ارتباطا بالمسيحية على الأرض، وتمتعتا بأغلبية سكانية مسيحية على مدى ألفي عام تقريبا، لم يعد الأمر كذلك فيها الآن. فبيت لحم لم يعد فيها سوى 12 في المئة من المسيحيين بعد أن كانت نسبتهم بها 85 في المئة عام 1948، وكان المسيحيون يشكلون إجمالا حوالى 20 في المئة من سكان فلسطين آنذاك، لكن نسبتهم الآن لا تتجاوز 10 في المئة، أي نحو 65 ألف نسمة، يسكن أكثر من 51 ألفا منهم في الضفة، و10 آلاف في مدينة القدس المحتلة، بينما يعيش نحو 3500 مسيحي في قطاع غزة.
وفي مصـر، وللمرة الأولى منذ خمسينات القرن العشرين، يغادر المسيحيون الأقبـاط بـلدهم بأعـداد كبيـرة، وهم لا يتجاوزون الآن، وفقاً لتقديرات موثوقة نسبة 6 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 72 مليون نسمة بحسب تعداد 2006. وهذه النسبة تتدنى باستمرار، فمعدل الزيادة السنوية في مواليد الأقباط تبلغ حوالى 50 ألف نسمة، لكن الوفيات والهجرة والتحول إلى الإسلام (يتحول ما بين 40 إلى 50 ألف سنوياً) تجعل الانخفاض محتوماً.
أما في الأردن فيبلغ عدد المسيحيين نحو 160 ألفاً بنسبة 4 في المئة فقط من السكان البالغ عددهم حوالى 5.5 مليون نسمة.
وفي العراق، وطبقا لتعداد السكان الذي أجري عام 1977 كان عدد المسيحيين حوالى مليون و68 ألف نسمة، هبط في إحصاء عام 1987 إلى مليون وربع المليون نسمة، بنسبة 5 في المئة من الشعب العراقي، وعشية الغزو الأميركي عام 2003 بلغ عدد المسيحيين العراقيين حوالى 700 ألف شخص، أي حوالى 3 في المئة من جملة عدد السكان البالغ عددهم حوالى 25 مليون نسمة. وبعد مرور نحو 5 سنوات على الاحتلال يقدر عدد المسيحيين العراقيين الذين غادروا البلاد بحوالى 350 ألف نسمة.
وفي حال استمرار التناقص بهذه المعدلات، فليس هناك شك في أنه خلال عقد أو عقدين من الزمن، سيفقد المسيحيون الشرق أوسطيون كل أهمية حيوية أو تأثير سياسي، هذا التناقص الشديد يعزى في جانب أول إلى انخفاض معدل المواليد بين الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بسبب ارتفاع مستواها الاجتماعي والاقتصادي.
وفي جانب ثان إلى فشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة، وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء في هذه البقاع بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها.
أما الجانب الثالث والأكثر أهمية فهو أن إقليم الشرق الأوسط يشكل بيئة طاردة بسبب الصراعات والحروب التي يشهدها على مدى نصف قرن تقريباً، خصوصاً بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 التي كانت دافعاً قوياً في صعود تيار القومية العربية في الخمسينات والستينات الماضية الذي اعتبر المسيحيون العرب أن خطابه السياسي أقرب إلى الإسلام، ثم صعود التيار الإسلامي نفسه عقب هزيمة 1967 وقيام الثورة الإيرانية عام 1979، واشتعال الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، ثم الحصار الاقتصادي للعراق عقب غزوه للكويت عام 1990، وانتهاءً بالغزو الأميركي لأفغانستان أواخر عام 2001 والعراق عام 2003 في إطار ما تسميه واشنطن الحرب العالمية على الإرهاب عقب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، تلك الحرب التي أججت العداء التاريخي بين الإسلام والغرب، وأطلقت موجة من التطرف والإرهاب لا تقتصر تداعياتها على الأقليات المسيحية فقط.
هذا إضافة إلى أن هناك تسابقاً محموماً من جانب الكنائس المسيحية الغربية على التبشير بين الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، الأمر الذي يثير التيارات الإسلامية المتشددة ضدهم.
في المقابل يشكل الغرب بيئة إغراء وجاذبية للمهاجرين عموما بسبب تقدمه الاقتصادي وتوافر الحريات الدينية والمدنية، وفي هذا الشأن يفضل الغرب استقدام واستقطاب مهاجرين ينتمون إلى المسيحية بطوائفها المختلفة، خصوصا من الشباب، كي يساهموا في نموه الاقتصادي ويسد العجز في المواليد الذي يعاني منه الغرب الرأسمالي. فنسبة هجرة الشباب العرب المسلمين الذين يسافرون للدراسة في الغرب تقل عن 50 في المئة، في حين تزيد عن 70 في المئة بين الشباب العرب المسيحيين.
وفي مصر مثلا يحصل الشباب المسيحيون على 95 في المئة من تأشيرات الإقامة في الولايات المتحدة المعروفة بـ «اليانصيب» التي تمنحها السفارة الأميركية في القاهرة، فضلاً عن تمييز المسيحيين المصريين في مشروعات المعونة الأميركية. وحالياً هناك ترحيب باللاجئين العراقيين المسيحيين في معظم دول الغرب مقارنة بغيرهم من اللاجئين العراقيين، خصوصاً في الدول الاسكندنافية وألمانيا.
هذه المعادلة الصعبة بين شرق أوسط طارد وغرب جاذب، تجعل الهجرة طموحاًً لكثيرين، ومسؤولية الغرب عن إنتاج هذه المعادلة كبيرة. فهو الذي يشن حروبه وعدوانه على دول المنطقة بالأصالة عن نفسه كما في حروب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم الحربين ضد العراق عامي 1991 و2003، والأخيرة أرغمت أكثر من 4 ملايين عراقي على النزوح الداخلي أو اللجوء للدول المجاورة والبعيدة، أو حروب الغرب بالوكالة، عبر إسرائيل، كما في حروب 1948و 1967 وحرب 1982 ضد لبنان أو حرب 2006 التي دفعت نحو ربع مليون لبناني إلى الهجرة خارج بلدهم كما يذكر البطريرك الماروني نصر الله صفير، وبسبب تلك الحرب وتداعياتها ما زال نحو 60 في المئة من الشباب اللبناني يحلمون بالهجرة إلى الخارج، خصوصاً المسيحيين منهم، وفي آذار (مارس) الماضي، حذر البطريرك صفير من أن «حضور المسيحيين في لبنان يدعو إلى القلق، فهناك إحصاءات تدل على أن ما يقارب المليون لبناني غادروا لبنان إلى بلدان الغرب، وهذه هجرة لا أمل بالعودة بعدها، فيما سواهم هاجر إلى البلدان العربية، وهناك أمل كبير بالعودة إلى لبنان».
وتساهم سياسات الطرد والترحيل أو الحصار والتجويع التي تنتهجها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين، وبينهم عدد كبير من المسيحيين على الهجرة إلى الخارج، منذ النكبة عام 1948 وحتى الآن (هناك حوالى ربع مليون مسيحي فلسطيني في أميركا اللاتينية وحدها). ولا يزال أكثر من 30 في المئة من الشبان الفلسطينيين يحلمون بالهجرة إلى الخارج، خصوصا إلى دول الغرب، وخلال العامين الماضيين فقط هاجر من الأراضي الفلسطينية أكثر من 50 ألفاً حسبما ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني سليمان فياض أخيراً.
إن خلو الشرق الأوسط من مسيحييه سيفقد المنطقة أحد العناصر الرئيسية في تقدمها الحضاري، وينسف أحد الجسور المهمة بين المنطقة والغرب في وقت هما أحوج ما يكونان فيه إلى مد الجسور وليس قطعها أو التفريط في أحدها، الأهم من كل ذلك أن الشرق الأوسط سيصبح منطقة موحشة تتصارع فيها وعليها أصوليتان: يهودية في إسرائيل وإسلامية في جوارها، كل منهما تعتبر هذا الصراع مباراة صفرية. لكن المشكلة الأكبر أن إسرائيل ستحاول استغلال هذا الصراع في تجديد دورها «الوظيفي» في المنطقة باعتبارها قلعة متقدمة في مواجهة ما يسمى «الإسلام الراديكالي» من أجل استمرار دعم الغرب لها.
وفي إيران التي تضاعف عدد سكانها تقريباً منذ الثورة الإسلامية عام 1979، هبطت أعداد المسيحيين في البلاد من حوالى 300 ألف نسمة إلى حوالى 100 ألف فقط، أما في المشرق العربي فإن الصورة أوضح. ففي منتصف الخمسينات الماضية شكل المسيحيون نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة من جملة سكان دول عربية مشرقية عدة، وهم الآن لا يشكلون أكثر من 10 في المئة.
ففي سورية كانت نسبة المسيحيين تقارب ثلث عدد السكان في مطلع القرن العشرين، أما الآن فنسبتهم هي أقل من 10 في المئة، وفي لبنان كان المسيحيون يشكلون في عام 1932 نسبة 55 في المئة من السكان، أما الآن فهم أقل من 30 في المئة.
أما القدس فلم يعد فيها سوى 2 في المئة من المسيحيين بعد أن كانت نسبتهم 53 في المئة عام 1922، وحتى مدينة بيت لحم والناصرة، وهما أكثر المدن ارتباطا بالمسيحية على الأرض، وتمتعتا بأغلبية سكانية مسيحية على مدى ألفي عام تقريبا، لم يعد الأمر كذلك فيها الآن. فبيت لحم لم يعد فيها سوى 12 في المئة من المسيحيين بعد أن كانت نسبتهم بها 85 في المئة عام 1948، وكان المسيحيون يشكلون إجمالا حوالى 20 في المئة من سكان فلسطين آنذاك، لكن نسبتهم الآن لا تتجاوز 10 في المئة، أي نحو 65 ألف نسمة، يسكن أكثر من 51 ألفا منهم في الضفة، و10 آلاف في مدينة القدس المحتلة، بينما يعيش نحو 3500 مسيحي في قطاع غزة.
وفي مصـر، وللمرة الأولى منذ خمسينات القرن العشرين، يغادر المسيحيون الأقبـاط بـلدهم بأعـداد كبيـرة، وهم لا يتجاوزون الآن، وفقاً لتقديرات موثوقة نسبة 6 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 72 مليون نسمة بحسب تعداد 2006. وهذه النسبة تتدنى باستمرار، فمعدل الزيادة السنوية في مواليد الأقباط تبلغ حوالى 50 ألف نسمة، لكن الوفيات والهجرة والتحول إلى الإسلام (يتحول ما بين 40 إلى 50 ألف سنوياً) تجعل الانخفاض محتوماً.
أما في الأردن فيبلغ عدد المسيحيين نحو 160 ألفاً بنسبة 4 في المئة فقط من السكان البالغ عددهم حوالى 5.5 مليون نسمة.
وفي العراق، وطبقا لتعداد السكان الذي أجري عام 1977 كان عدد المسيحيين حوالى مليون و68 ألف نسمة، هبط في إحصاء عام 1987 إلى مليون وربع المليون نسمة، بنسبة 5 في المئة من الشعب العراقي، وعشية الغزو الأميركي عام 2003 بلغ عدد المسيحيين العراقيين حوالى 700 ألف شخص، أي حوالى 3 في المئة من جملة عدد السكان البالغ عددهم حوالى 25 مليون نسمة. وبعد مرور نحو 5 سنوات على الاحتلال يقدر عدد المسيحيين العراقيين الذين غادروا البلاد بحوالى 350 ألف نسمة.
وفي حال استمرار التناقص بهذه المعدلات، فليس هناك شك في أنه خلال عقد أو عقدين من الزمن، سيفقد المسيحيون الشرق أوسطيون كل أهمية حيوية أو تأثير سياسي، هذا التناقص الشديد يعزى في جانب أول إلى انخفاض معدل المواليد بين الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بسبب ارتفاع مستواها الاجتماعي والاقتصادي.
وفي جانب ثان إلى فشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة، وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء في هذه البقاع بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها.
أما الجانب الثالث والأكثر أهمية فهو أن إقليم الشرق الأوسط يشكل بيئة طاردة بسبب الصراعات والحروب التي يشهدها على مدى نصف قرن تقريباً، خصوصاً بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 التي كانت دافعاً قوياً في صعود تيار القومية العربية في الخمسينات والستينات الماضية الذي اعتبر المسيحيون العرب أن خطابه السياسي أقرب إلى الإسلام، ثم صعود التيار الإسلامي نفسه عقب هزيمة 1967 وقيام الثورة الإيرانية عام 1979، واشتعال الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، ثم الحصار الاقتصادي للعراق عقب غزوه للكويت عام 1990، وانتهاءً بالغزو الأميركي لأفغانستان أواخر عام 2001 والعراق عام 2003 في إطار ما تسميه واشنطن الحرب العالمية على الإرهاب عقب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، تلك الحرب التي أججت العداء التاريخي بين الإسلام والغرب، وأطلقت موجة من التطرف والإرهاب لا تقتصر تداعياتها على الأقليات المسيحية فقط.
هذا إضافة إلى أن هناك تسابقاً محموماً من جانب الكنائس المسيحية الغربية على التبشير بين الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، الأمر الذي يثير التيارات الإسلامية المتشددة ضدهم.
في المقابل يشكل الغرب بيئة إغراء وجاذبية للمهاجرين عموما بسبب تقدمه الاقتصادي وتوافر الحريات الدينية والمدنية، وفي هذا الشأن يفضل الغرب استقدام واستقطاب مهاجرين ينتمون إلى المسيحية بطوائفها المختلفة، خصوصا من الشباب، كي يساهموا في نموه الاقتصادي ويسد العجز في المواليد الذي يعاني منه الغرب الرأسمالي. فنسبة هجرة الشباب العرب المسلمين الذين يسافرون للدراسة في الغرب تقل عن 50 في المئة، في حين تزيد عن 70 في المئة بين الشباب العرب المسيحيين.
وفي مصر مثلا يحصل الشباب المسيحيون على 95 في المئة من تأشيرات الإقامة في الولايات المتحدة المعروفة بـ «اليانصيب» التي تمنحها السفارة الأميركية في القاهرة، فضلاً عن تمييز المسيحيين المصريين في مشروعات المعونة الأميركية. وحالياً هناك ترحيب باللاجئين العراقيين المسيحيين في معظم دول الغرب مقارنة بغيرهم من اللاجئين العراقيين، خصوصاً في الدول الاسكندنافية وألمانيا.
هذه المعادلة الصعبة بين شرق أوسط طارد وغرب جاذب، تجعل الهجرة طموحاًً لكثيرين، ومسؤولية الغرب عن إنتاج هذه المعادلة كبيرة. فهو الذي يشن حروبه وعدوانه على دول المنطقة بالأصالة عن نفسه كما في حروب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم الحربين ضد العراق عامي 1991 و2003، والأخيرة أرغمت أكثر من 4 ملايين عراقي على النزوح الداخلي أو اللجوء للدول المجاورة والبعيدة، أو حروب الغرب بالوكالة، عبر إسرائيل، كما في حروب 1948و 1967 وحرب 1982 ضد لبنان أو حرب 2006 التي دفعت نحو ربع مليون لبناني إلى الهجرة خارج بلدهم كما يذكر البطريرك الماروني نصر الله صفير، وبسبب تلك الحرب وتداعياتها ما زال نحو 60 في المئة من الشباب اللبناني يحلمون بالهجرة إلى الخارج، خصوصاً المسيحيين منهم، وفي آذار (مارس) الماضي، حذر البطريرك صفير من أن «حضور المسيحيين في لبنان يدعو إلى القلق، فهناك إحصاءات تدل على أن ما يقارب المليون لبناني غادروا لبنان إلى بلدان الغرب، وهذه هجرة لا أمل بالعودة بعدها، فيما سواهم هاجر إلى البلدان العربية، وهناك أمل كبير بالعودة إلى لبنان».
وتساهم سياسات الطرد والترحيل أو الحصار والتجويع التي تنتهجها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين، وبينهم عدد كبير من المسيحيين على الهجرة إلى الخارج، منذ النكبة عام 1948 وحتى الآن (هناك حوالى ربع مليون مسيحي فلسطيني في أميركا اللاتينية وحدها). ولا يزال أكثر من 30 في المئة من الشبان الفلسطينيين يحلمون بالهجرة إلى الخارج، خصوصا إلى دول الغرب، وخلال العامين الماضيين فقط هاجر من الأراضي الفلسطينية أكثر من 50 ألفاً حسبما ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني سليمان فياض أخيراً.
إن خلو الشرق الأوسط من مسيحييه سيفقد المنطقة أحد العناصر الرئيسية في تقدمها الحضاري، وينسف أحد الجسور المهمة بين المنطقة والغرب في وقت هما أحوج ما يكونان فيه إلى مد الجسور وليس قطعها أو التفريط في أحدها، الأهم من كل ذلك أن الشرق الأوسط سيصبح منطقة موحشة تتصارع فيها وعليها أصوليتان: يهودية في إسرائيل وإسلامية في جوارها، كل منهما تعتبر هذا الصراع مباراة صفرية. لكن المشكلة الأكبر أن إسرائيل ستحاول استغلال هذا الصراع في تجديد دورها «الوظيفي» في المنطقة باعتبارها قلعة متقدمة في مواجهة ما يسمى «الإسلام الراديكالي» من أجل استمرار دعم الغرب لها.