وشهدت منطقة العين خلال الأسبوع الماضي مهاجمة أسراب من الجراد لمناطق الخزنة والساد ورماح والعانكة وبدع فارس والطوية واليحر ومساكن، وكانت ظهرت في منطقتي سويحان والعجبان والمناطق الملاصقة لهما.
وكشفت عمليات الرصد التي أجراها قسم الوقاية في دائرة البلديات والزراعة- قطاع الزراعة بالعين أن أسراب الجراد التي ظهرت في المنطقة فقس محلي، وتوالدت بأعداد هائلة في المنطقة الشرقية.
وتوقعت الدراسة بحسب الدكتور محمد عبدالمحسن اليافعي مساعد العميد لشؤون البحث العلمي بكلية الأغذية والزراعة بجامعة الإمارات الذي أشرف على الدراسة 'أن تشهد الدولة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة صيفاً ساخناً تعاود فيه أسراب الجراد الظهور في بعض المناطق على نطاق واسع، وأكد اليافعي ضرورة تسخير كافة الإمكانيات والطاقات لتفعيل جهود الرصد والمكافحة والتنسيق والتعاون مع الدول المجاورة في هذا الصدد.
وأفاد المهندس سيف النعيمي مدير إدارة الوقاية بدائرة البلديات والزراعة 'قطاع الزراعة' في العين أنه لم يتم رصد أي مجموعات جديدة، وأن عمليات الرصد والاستكشاف مستمرة لتحديد البؤر ولمواجهة أي ظهور محتمل لمجموعات أو أسراب جديدة قد تأتي من الداخل أوعبر الحدود مع الدول المجاورة.
وطالبت الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين بكلية الأغذية والزراعة بجامعة الإمارات بالتركيز على وسائل مكافحة جديدة بديلة للمبيدات كاستخدام 'الجراثيم الفطرية' التي تضعف الجراد وتقتله ولا تترك أثراً على النظام البيئي ولا تضر بالكائنات الحية الأخرى.
واعتبر المهندس سيف النعيمي مدير إدارة الوقاية بدائرة البلديات والزراعة 'قطاع الزراعة' جهود المكافحة التي بذلت للقضاء على أسراب الجراد التي هاجمت منطقة سويحان وبعض المناطق الأخرى مؤخراً ناجحة وبشكل كبير حيث تمت السيطرة على الأسراب والقضاء عليها ورصد البؤر ومكافحتها بمبيدات آمنة وبشكل مقنن، بعيداً عن عشوائية الاستخدام التي تضر بالبيئة.
وقال إن الدائرة لن تتردد في استخدام الجراثيم الفطرية للمكافحة والتي تستخدم الآن بفاعلية كبيرة في بعض الأقطار العربية والأفريقية وتحديداً في الجمهورية الجزائرية.
واستند الباحثون في توقعاتهم إلى تداعيات ظاهرة التغيرات المناخية التي تواجه العالم الآن والتي ستؤدي إلى توالد أعداد هائلة من الجراد تفوق بكثير الوسائل والإمكانيات المتاحة المتوفرة لمكافحتها خاصة في شبه الجزيرة العربية باعتبارها بيئة إستراتيجية مهمة لتكاثر الجراد الصحراوي على مدار فصول السنة.
ويتكاثر الجراد صيفاً في المناطق الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية، ويتكاثر شتاء على سواحل البحر الأحمر، ويتكاثر خلال فصل الربيع على سواحل البحــــر الأحمر، وفي مناطــــــق وسط شرق وشمال المملكة العربية السعودية.
وتوقع الدكتور محمد عبدالمحسن اليافعي ارتفاع أعداد الجراد الصحراوي في السنوات القادمة نتيجة للارتفاع في درجات الحرارة مما يؤدي لتقليل دورة النضج والحضانة لدي الجرادة مقارنة بدورات حياتها خلال الفترة من 1930-1999 مما سيضاعف معه من قدرة تلك الحشرة على المقاومة ومواجهة التغيرات المناخية المتقلبة والتي ستتضاعف تداعياتها في المستقبل القريب.
المواجهة
طالب اليافعي بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لمواجهة تكرار هجمات أسراب الجراد، وهي واردة ومحتملة لتحصين الغابات والمحميات الطبيعية التي كانت هدفاً للجراد في تلك الهجمة الأخيرة وتوفير كل سبل الوقاية للمحاصيل الزراعية وأشجار الفاكهة والنباتات الصحراوية التي تأتي عليها أسراب الجراد مما يلحق الضرر بالنظام الزراعي والأمن الغذائي في حالة بقائها في المناطق الزراعية لأكثر من يوم واحد.
ومن جانبه حذر الدكتور جابر الدهماني أخصائي وقاية نبات وعضو فريق البحث من خطورة الجراد الصحراوي الذي هاجمت أسراب منه عدة مناطق في أبوظبي والعين أواخر الشهر الماضي لما لها من قدرة كبيرة في القضاء على مختلف أنواع المحاصيل الزراعية والأشجار والنباتات الصحراوية التي تتغذى عليها.
أوجه الخطورة
استعرض الدهماني أوجه الخطورة في الجراد الصحراوي الذي يعد من أخطر أنواع الجراد وفق تصنيف منظمة الأغذية والزراعة، مشيراً إلى أنها تكمن في سرعة تكيف الجراد مع الظروف البيئية المحيطة، لأنه يتواجد حيث توجد الرطوبة الأرضية المرتبطة بسقوط الأمطار والخضرة، بالإضافة الى سرعة تكاثره وانتشاره وقدرته الكبيرة على الانتشار خلال فترة زمنية وجيزة. ويعتبر الجراد الصحراوي الأكثر خطورة لمنطقة شبه الجزيرة العربية حيث يتكاثر وينتشر في هذه المساحة الشاسعة.
ويلتهم سرب الجراد الواحد الذي يتألف من 50 مليون جرادة وينتشر على مساحة كيلومتر مربع حوالي 100 طن من المحاصيل الخضراء في اليوم الواحد، وهو ما يكفي لغذاء 50 ألف شخص في اليوم أيضاً، بحسب الدكتور الدهماني، حيث تأكل الجرادة الواحدة 2 جرام يومياً في المتوسط 'أي ما يعادل وزنها'، وتتغذى على الأوراق والأزهار والثمار والبذور وقشور النبات والبراعم.
وثبت علمياً أن 8% من الأضرار تسببها حوريات الجراد، و69% منها تسببها أسراب الجراد الصغيرة غير البالغة، بينما تتسبب أسراب الجراد المكتمل النمو 23% من الأضرار التي تلحقها بالنباتات والمزروعات.
وأوضح الدهماني أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تصنف الجراد من حيث الخطورة إلى مستويات أربعة الأول منها 'الأخضر' هادئ لا يشكل تهديداً للمزروعات ويتطلب المراقبة والمسح الدوري، أما المستوى الثاني 'الأصفر' فتهديده قائم ومحتمل ويستوجب الحذر منه ومكافحته، وتنحصر مشكلة الجراد في دولة الإمارات حتى الآن في هذا المستوى الثاني.
ويشكل المستوى الثالث 'البرتقالي' تهديداً للمحاصيل الزراعية مما يتطلب إجراء عمليات المسح والمكافحة، أما المستوى الثالث 'الأحمر' فيمثل تهديداً كبيراً للمحاصيل والمزروعات والنباتات مما يستوجب معه القيام بعمليات مسح ومكافحة كثيفة وواسعة النطاق.
وتتوزع أسراب الجراد التي تستوطن شبه الجزيرة العربية والتي تتسبب في الحاق الضرر بالاقتصادات الوطنية حــال ظهورها وانتشارها 'بحسب الدراسة' على ثلاثة أنواع يأتي على رأسها الجراد الصحراوي Schistocerca gregaria وهو النــــوع الأهــــم والأكثر ضـــــرراً لقـــــدرته على الانتشار والهجرة بأعداده الكبيرة ولشــــــراهته الكبيرة في التغذية. ويأتي جراد الشجر Anactidium melanorhodon arabafrum في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، وهو يتغذى على أشجار الفاكهة خاصة النخيل والحمضيات وزراعات الحبوب، ويتميز بالأسراب القاتمة التي يكونها والتي ترى أثناء النهار تأوي إلى الأشجار.
أما النوع الثالث فهو الجراد المهاجري 'Lacusta migratoria Linneaus'، ويتواجد في زراعات الحشائش، ومن الممكن أن يكون لهذا الجراد أربعة أجيال في السنة، جيل واحد في موسم الجفاف، وثلاثة أجيال في موسم الأمطار.
وأشار الدكتور الدهماني إلى أن الجراد الصحراوي من الحشرات السريعة التأثر بالمبيدات في أي طور من أطوار حياتها، ولكن الصعوبة تتمثل في تحديد أماكن وجود الجراد والوصول إليه، مما يتطلب تنظيمات خاصة، إضافة الى الوسائل الواجب اتباعها حتى تصل المبيدات إلى جسم الحشرة فتميتها.
وتطرق إلى سبل ووسائل المكافحة المتبعة في الدولة حالياً، مشيراً إلى أنها تعتمد على استخدام المبيدات الكيميائية ذات التأثير القاتل بالملامسة، حيث تقتل الحشرة نتيجة ملامستها لقطرات المبيد بشكل مباشر أو عن طريق ملامسة النباتات المرشوشة أو التغذية على أوراق هذه النباتات، ومعظم المبيدات شائعة الاستعمال تقتل الجراد بالتأثير على الجهاز العصبي المركزي.