نادراً ما يخلو بيت أو لقاء من حديث عن المشاكل الزوجية، والجميع رأيه في اسلوب العيش الهاديء والحياة السعيدة المنشودة في الزواج، لكن نادراً ما يجد الباحث زوجا أو زوجة توفرت لديهما كل اسباب السعادة الزوجية، اذ لا يمكن تقييد الطبيعة البشرية ضمن قوالب جاهزة أو في طرق حياة تفرَض من الخارج، كما أن لكل زوج وزوجة ميولاً ورغبات وأهدافاً وطموحات يتمنى أن تتحقق له في حياته الزوجية، يختلف فيها عما لدى قرينته.
تقول اغنية:" لا العاشق مرتاح ولا الخالي مرتاح"، فهذا محسود على أمر لديه، لكنك تراه يبكي على ما ليس لديه، وتلك تنزل دموعها بلا سبب... الكل يعترف بأن السعادة تتعرض للخطر، وقد يكون الخطر وهماً أو توجساً، ويتفق الجميع بأن المهم هو اتفاق الأطراف. لكن هذا نادر ولا يتحقق من رغبة طرف واحد فقط، فاليد وحدها لا تصفق، لذا ترى التعاسة تضرب أطنابها بين الكثيرين فيحارون ويتساءلون: لماذا؟
نقول في البداية: تشكل المعرفة عنصراً قوياً لشرح المشاكل الزوجية، فتعتمد خبرة الآخرين وما تكتشفه العلوم الانسانية، الى جانب ما يوفره الأيمان من محبة وغفران وقدرة على طرد الأحقاد والأنانية والشك. فان كان كل واحد يريد من الآخر أن يهتمّ به، وجب عليه أن يدرك أن الحب تبادل واختيار وقرار. من هنا وجب التدريب على الاقرار بالخطأ، والقصد بعدم تكراره، فيمر عبر قابلية ومرونة واحترام لتصبح الحياة الزوجية صامدة أمام العواصف، وهكذا تتجنب العلاقة الانحدار نحو الأسفل، كما يحدث!
تنطلق من مراكز دماغ الانسان انفعالات تتطور لتصبح هجوماً وعدوانية، ومجتمعاتنا الشرقية وان كانت تتغذى بالمثاليات التي تجعل من الزوج مجرد زينة اجتماعية، لكن هذه المجتمعات لا تقيم ما يقع فيه من هموم ومتاعب، فيقال عن هذه المرأة انها ثرثارة تتعب زوجها، بينما قد يكون اهمال زوجها هو الذي يضعها في القلق واليأس. ان اختلاف الميول والرغبات والعادات بين الزوجين لا يجب أن يفسد الحياة، فمن خلال قبول الآخر، يوضع أساس الزواج باحترام وتبادل الآراء والانسجام والتناغم.
نعم قد تكون هناك زيجات ايجابية فرضت على الرجل أو المرأة لظروف معينة. الا أن كثيرين استطاعوا ابعاد ما يسببه ذلك من نتائج. فتجاوزوه. واعتمدوا على الطبيعة التي زودت كلا من الرجل وامرأة بالميل نحو بعضهما. الا أن حالات العجز الجنسي النفسية- وهي أكثر من العضوية- تُعزى الى ما يستشري في المجتمعات من تعاليم خاطئة تسبب ما ينغص ويهدد العلاقة بين الزوجين.
وهنا تأتي العلوم النفسية الى نجدتنا فنقول: لا يستطيع المرء أن يقرر حقيقة مشاعره في أول الأمر، والاحساس بالآخر في البداية مشوش، ولا تنفع النظرة الاولى لتقرير مصير الحياة، لذا فالمشكلة كائنة عندما يرى المرء الحب بسطحية أو بأنانية، لا كعطاء وخدمة . فالزواج والابوة قبل كل شيء تغيير نظام حياة الفرد، وشفاء تدريجي مما حمله من بيت أهله من عادات وتقاليد قد يعتز بها ويريد فرضها. لكن الفرق شاسع، فأهداف الزواج والبيت والاطفال شراكة الى الأبعد، والمشكلات التي تعصف بحياة الزوجين ليست سوى تكرار لخطأ في النظر الى الوراء، والسطحية واللامبالاة وضعف في الارادة، ثم الانتقاص من الآخر والشك المرضي به وكلها وراء الغيرة القاتلة.
ليستت المسألة في مثاليات الزواج، وانما في أبعاد مسألة العلاقة فيه، فأذا ما أتضحت أسباب الخلافات ومعاناة الزوجين اجتماعياً ونفسياً وجنسياً، بالمصارحة والصدق والحنان والاحترام، زال الكثير من حالات الصداع والشد العصبي والاحباط والتذمر. فقد وجد الباحثون أن الذين لا يشعرون بالسعادة في زواجهم يندفعون الى الهرب والعمل لسعاتٍ طويلة، ليقللوا من ساعات المناوشات، لكنهم يُبعدون الانفجار فقط.
مع كل ما قلنا في اعلاه، لا تكفي الدراسات والابحاث لاعطاء مقياس دقيق لنجاح أو فشل العلاقة الزوجية، فشرح السلوك على اسس فسيولوجية ونفسية واجتماعية- اذا ما انطلق من الماضي- لا يملنه توقع المستقبل الذي فيه امكانية التغيير والتجدد.
ان الشركة الزوجية اشبه بمصفاة حقيقية لشوائب ورواسب العادات الاجتماعية، كما ان توزيع المسؤوليات بين الزوجين قد يخلق علاقات متوازنة وطيبة، ويمكن هنا القول: ان في نشر جو المرح والفكاهة في العائلة، أفضل سبيل الى تجاوز المشاكل والعبور الى الايجابي، وان قال المرأ في نفسه: اليس هذا أضعف الايمان؟
مبادىء عامة
من اجل التربية العائلية الصحيحة ينبغي الاطلاع على وثائق المجمع الفاتكاني الثاني ومقرّرات السينودس في التربية المسيحية... ثم لا بد من التمسك بمبادىء عامة ثلاثة وهي :
1) الاقتناع بأن حضور الأب والأم في البيت بشكل كافٍ أمر ضروري، لأن التربية لا تكون الا بالاتصال والعيش المشترك. يمكن الطالب مثلا أن يتعلم بالمراسلة. أما الولد فغير ممكن أن يتربى بالمراسلة. لهذا السبب يقول المجمع في دستوره الراعوي" الكنيسة وعالم اليوم": " ليتعاون الوالدان تعاوناً حريصاً في تربية الأبناء. ان حضور الأب حضورا فعالاً له أهميّة بالغة في التنشئة، كما وانه من الضروريّ أن يتاح للأم الاعتناء بشؤون البيت، لأن أبناءها، ولا سيما الصغار منهم، يحتاجون اليها احتياجاً كبيراً. غير أن ذلك يجب أن لا يحول دون الترقية الاجتماعية المشروعة للمرأة"(52).
2) المثل افعل من الكلام في نفس الولد. لهذا السبب يقول المجمع: " ان الأولاد، اذا ما شقَّ الوالدين لهم الطريق بالقدوة الصالحة، ينفتحون بسهولة للعواطف الانسانية، ويجدون طريق الخلاص والقداسة" (الكنيسة وعالم اليوم، 48/ 3 ) . وهذا ما يقوله المثل الدارج" " طبِّ الجرّة على ثّمها، تطلع البنت على امها."
3) الاتفاق بين الأب والأم حول طريقة التعامل مع الأولاد، بحيث لا يتناقض الواحد ما يرتائيه الآخر، ولا سيما أمام الأولاد. اذا، الحضور والمثل والاتفاق، هذه المبادىء العامة التي ينبغي لكم العمل بها في مجال التربوي.
مجالات التربية
1) التربية الجسدية: غذاء، نظافة، راحة، رياضة، ترفيه...
2) التربية الفكرية: متابعة الاعمال المدرسية، الدرس في البيت، المطالعة، حضور محاضرات، انتماء الى نادِ ثقافي، مشاهدة أفلام تاريخية ووثائقية وعلمية وفنية، تشجيع المواهب الأدبية...
3) التربية الأخلاقية: التهذيب، الصدق، الصراحة، احترام الناس، العزم، الجرأة، اللاعنف، عدم الانانية...
4) التربية الأدبية: الضمير الحيّ، الخير والشر، مقاومة الاهواء، الفطنة، الاعتدال في الاكل والشرب، احترام الجسد...
5) التربية الجنسية: أقله اعطاءالأجوبة الصحيحة بقدر مفهوم الولد... أجوبة كافية وافية للكبار... تحذير من تشويه الجنس باتخاذه وسيلة للمتعة ليس الا...
6) التربية الاجتماعية: مؤاساة الناس، العلاقة الطيبة، المساعدة المجانية، حب الفقراء، زيارة المرضى والمحرومين، نشجيع المؤسسات الخيرية، الصدقة، تحمل المسؤلية، مساعدة الولد في اكتشاف دعوته ( زواج، كهنوت، رهبنة) ومساندته في سلوك الطريق المؤدي الى الهدف المنشود، أي كما يقول المجمع " ضمن أوضاع أدبية واجتماعية واقتصادية مؤاتية" ( الكنيسة وعالم اليوم 52 / 1 ) .
7) التربية المدنية: حفظ القوانين، انظباط، احترام الأملاك العامة، اسبوع النظافة، عدم رمي الأوساخ على الطرق والارصفة، احترامرجالات الدولة والشرطة، احترام الاشجار، الامتناع عن الصيد زمان التعشعش أو التفقيس، مساهمة في المشاريع التي تعود للمصلحة العامة...
التربية الوطنية: الاطلاع الصحيح على أهداف الأحزاب والعقائد، المشاركة في الاحتفالات الوطنية، عدم التهرب من خدمة العلم...
9) تربية الذوق السليم: الثياب، الهندام، اختيار الألوان، ترتيب البيت وتزيينه، عدم الانقياد للصراعات العصرية في المودة او الموسيقى، زيارة صالات العرض، تشجيع المواهب الفنية ( موسيقى، رسم، نحت)...
10 ) لتربية الروحية: السهر على التعليم الديني، الاشتراك معاً في ذبيحة القداس، الصلاة الجماعية في البيت، قراءة الكتب والمجلات الدينية ولا سيما الكتاب المقدس، الجو العام في البيت من حيث المحبة والألفة والاتفاق.
يقول المجمع العام في هذا الصدد:" التربية المسيحية لا ترمي الى تأمين النضوج الانسان فحسب، بل خاصة الى جعل المعمَّدين- وهم قد دخلوا خطوة خطوة الى معرفة سر الخلاص- يزدادون كلَّ يوم وعيا لهبة الايمان التي تقبلوها، ويتعلمون كيف يعبدون الله الاب بالروح والحق، ولا سيما في العبادات الطقسية، ويتحولون ويتجددون بحيث انهم يتمكنون من توجيه حياتهم الشخصية بحسب الانسان الجديد، في البر وقداسة الحق. وهكذا، اذا ما انتهوا، عندما يصبحون في أشدِّهم، الى مستوى الانسان الكامل الذي يحقق ملء قامة المسيح، يساهمون في نموِّ الجسد السري.
"كما وترمي التربية الى جعل المعمدين يعتادون، وقد أصبحوا واعين لدعوتهم، أن يشهدوا للرجاء الذي فيهم، ويسهموا في تحويل العالم تحويلا مسيحيا، الامر الذي يجعل القيم الطبيعية تؤدي الى خير المجتمع، هذا ان هي أدمجت في نظرةٍ شاملة للأنسان الذي افتداه المسيح". ( تربيةمسيحية، 2 )
بعض آيات من الكتاب المقدس هي بمثابت دستور للحياة البيتية، والتربية العائلية، والسلوك البنوي:
- " ان ابنين ميراث من الرب، ثمرةُ البطن ثوابٌ منه. أبناء الشبيبة كسهام بيدِ جبار. طوبى للرجل الذي يملأ جعبته منهم". ( مز 126/ 3-5).
- " امرأتك مثل جفنةٍ مثمرةٍ في جوانب بيتك. بنوك كفروعِ زيتون حول مائدتك. هكذا يبارَكُ الرجل الذي يتقي الرب" (مز 127 / 3-4 ).
- لقمة يابسة ومعها طمأنينة خيرٌ من بيت مملوء ذبائحَ ومعها خصام"( أم 17/ 1 ).
- " بنونا كغراسٍ غضةٍ في صبائهم، وبناتنا كأعمدةِ الزوايا مُزيناتُ على هيئة هيكل"(مز 143 / 12 ).
- " الابن الجاهل كربٌ لأبيه ومرارةٌ للتي ولدته"(أم 17 /25).
- الابن الجاهل بليةٌ لأبيه، ومنازعاتُ المرأة كمزرابٍ لا ينقطع" ( أم 19/ 13).
- الابن الحكيم يَسُرَ أباه، والابن الجاهل غمةُ لأمه"( أم 10/ 1).
- العبد العاقل يسود على الابن ذي الفضائح"(أم 17 / 2 ).
- " من أشقى أباه وطرَدَ أمه فهو ابن الخزي والعار"( أم 19/ 26 ).
-"من يلعن أباه وأمه ينطفئ سراجه في قلب الظلمة" ( أم 20 / 20 ).
-"العين المستهزئة بالأب والمستخفة بطاعة الأم، تفقأها غِربانُ الوادي وتأكلها فراخُ النسر" ( أم 30 / 17).
-" من وفَّرَ عصاه فهو يبغضُ ابنه، والذي يحبه يبتكر إلى تأديبه"( أم 13/ 24 ).
- " أدب ابنك فيريحَك ويُعقبَ نفسك مسرةً" (أم 29/17).
- " اسمع المشورة واقبل التأديب لكي تصير حكيماً في أواخرك" ( أم 19 / 20 ).
- " كفَّ يا بنيَّ عن الاصغاء الى ناصحِ السوء، فانه يُغويك عن العلم"(أم ذ9 / 27 ).
- " من يحفظ الشريعة فهو ابنٌ فطن. ومن يخالط الفجار يُخجل أباه، وهو عارٌ عليه" ( أم 28/ 7).
- اسمع للأبيك الذي ولدكَ، ولا تستهن بأمكَ إذا طعنت في السنّ" (أم 23/ 22).
هذا وان المادة الكبرى والسؤال الأول، يوم الحساب الأخير، هو هذا السؤال يوجهه العليّ إلى الآباء والأمهات: " أبناؤكم أمانةٌ منّي أنا واهب الحياة. فماذا فعلتم بهم؟".
القيتُ هذه المحاضرة في كنيسة الرسولين في الدورة ميكانيك وفي كنيسة مار يعقوب في الدورة اسيا وفي كنيسة الصعود