ها نحن نصل إلى نصف زمن الصوم، أتمنى أن نراجع حياتنا على ضوء هذا التأمل الذي أرسله لكم لكي نتقاسم المسيرة ونقود واحد الآخر إلى القيامة ، مع المسيح نموت كل أيام الصوم والآلام ونقوم معه في الفصح والقيامة ونرفع معنا العالم كله، وكل إنسان وخاصة الذي نشعر بمسؤوليته. مع محبتي . لنبقى في تواصل دائم في قلب يسوع الأقدس.
محبتك
الأخت مركريت قلب يسوع
27/2/2008المسيحية دعوة متطلبة (exigent
متي 5 : 1 – 16
لكل جماعة "دستور" يهدف إلى تنظيم حياة الجماعة بكل جوانبها. وتطويبات ربنا هي أشبه بدستور مملكة يسوع الجديدة. تعبر هذه التطويبات عن السعادة التي يمتلكها الذين يمارسونها مسبقاً وترمز إليها. فالتطويبات أسلوب في الحياة وهي ليست عمل نقوم به، أو أشياء نقتنيها، انها موقف حياتي: أن نحيا الحياة وفق أسلوب يسوع في الحياة بالذات. ومن المفيد التأمل في ما تقوله الكاتبة ايفلين اندرهيل: " نمضي حياتنا ونحن نشتاق لثلاثة أفعال: فعل الحاجة والتملك والوجود. ونحن، في شوقنا وتشبثنا واهتياجنا على الصعيد المادي والاجتماعي والعاطفي والفكري، بل وحتى الديني، نبقى في قلق دائم، متناسين بان ما من فعل من هذه الأفعال له أي معنى جوهري نهائي، ومتناسين إلى حد ما، كونها متعالية في فعل الوجود الجوهري ومتضمنة فيه، وبان الوجود وليس الرغبة، والتملك والعمل، هم جوهر الحياة الروحية.
ليس الفقر قمة الحياة المسيحية بل بابها الرئيس. فان كنت غنيا فما من شيء يمكن القيام به من أجلك. كان الفريسيون أغنياء، حتى وان لم يكن بالمال فعلى الأقل كان لديهم شعور بالاكتفاء الذاتي. الفقير هو الذي يقبل بان تستجوبه كلمة الله، والذي يسمح لنفسه بان يكون مضطرباً بكلمة الله. وأكثر من ذلك، يُريد ربنا يسوع من تلاميذه أن يكونوا مثل " الملح". ان الملح يعطي الأشياء نكهتها: فالطعام دون ملح غير مستساغ بل حتى مقزز. المسيحية هي للحياة كما الملح للطعام. المسيحية تضفي نكهة إلى الحياة. لكن غالباً ما يكون الأمر معكوساً مع الأسف، فغالباً ما يكون المسيحيون أناسً حزيني المنظر. وعلى المسيحي، في عالمنا الكئيب، أن يكون شخصاً مليئا بفرح الحياة وناشراً للفرح.
يريد يسوع من تلاميذه أن يكونوا ( نوراً). فعلى المسيحي أن يضيء بنور مستعار: ربنا يسوع يعرف أننا لا نستطيع أن نكوّن نورنا الخاص بنا. علينا اذن أن نعكس نوره. إشعاع المسيحي يجب أن يأتي من حضور المسيح في قلب ذلك الشخص. النور قوّة يُراد به أن يُرى. والمسيحية أيضاً هي شيء يراد به أن يُرى. وقد قال احدهم يوماً:" لا يمكن أن يكون هناك شيء يسمى التلمذة السرية، فاما السرية ستحطم التلمذة أو أن التلمذة ستحطم السرية". فعلى مسيحيتنا أن تُرى في الأحداث المألوفة لحياتنا اليومية. النور يجعل الطريق واضحاً. وعليه فعلى المسيحي أن يكون بالضرورة مثالاً ونوراً هادياً للعالم. وباختصار، على الناس أن يروا أعمالنا التي يجب أن تجلب انتباههم، ليس الى أنفسنا، بل الى الله، فالمسيحي لا يسعى أبداً لأن يلفت أنظار الناس إليه، ولكن ليوجههم دائماً الى الله.
قال حكيم هندي مرة بان المسيحيين لم يفهموا حتى الآن الا نصف المسيحية. لقد فهموا بان الله والمسيح شيء واحد. لكنهم لم يفهموا لحد الآن بان المسيح والبشر واحد أيضاً. وناشد الفيلسوف نيتشه، الذي أعلن أولاً عن موت الله: المسيحيين قائلاً: اذا كان المسيحيون يريدوننا أن نؤمن بمخلصهم، فلما لا يبدون مخَلِّين أكثر بقليل؟ ان كانوا يريدونني أن أنظم الى جماعتهم، فعليهم أن ينشدوا أناشيد مفرحة أكثر". المسيحي مسيحي ليس في كونه مختلفاً عن الآخرين، بل في كونه إنسانا أكثر من الآخرين. ويقول عندما لا نحب شخصاً معنى ذلك إننا لم نكتشف بعد أعماق ذلك الشخص. أن الثورة التي علمنا إياها المسيح هي: أن نؤمن بصلاح كل إنسان.
جاء الرب في كل ذلك ليُعلن أنه لم يأتِ ليجعل الحياة سهلة، بل ليجعل الناس كبّار.
فطوبى لمَن جعل كل ثقته بالله، فهذا هو مواطن حق في ملكوت السماء.
طوبى لمَن يترحم لألم العالم ولخطيئته، فمن هذا الألم سيختبر فرح الله.
طوبى لمَن يُسيطر على غضبه وتوتره، فهذا ملك بين الناس.
طوبى لمَن يأن ويشتاق للبر، فهذا قنوع حقاً.
طوبى لمَن يفهم الآخرين، عندها سيجد أنهم يتصرفون مثلما هو يتصرف.
طوبى لمَن هو طاهر في رغباته، لأنه سيرى الله.
طوبى لمَن يلتزم بعلاقات صحيحة مع الناس ويسعى للآخرين، فهذا يعمل ما يعلمه الله.
طوبى لمَن يُظهر الولاء ليسوع مهما كلّفهم الأمر، لأنهم يعيشون في السماء الآن.
الآن يتحداك يسوع: أعمل هذا فستجد الحياة.
من كتاب التاملات الاب بشار وردة