موعظة الأحد الأول من موسم البشارة
النص: (لوقا5:1-25) البشارة بميلاد يوحنا
بعد أن تطهرت الكنيسة (الهيكل) خلال الأسابيع الأربعة من تقديس البيعة، أصبحت مؤهلة الآن لتستقبل أول بشرى فيها. هذه البشرى التي يسمعها زكريا وهو يعمل في الهيكل. شيء يثير الاهتمام، إن الله يتكلم معنا من خلال العمل، فلا وجود لبشرى مهما كانت من دون عمل.
عمل زكريا في الهيكل كان مجرد عمل طقسي خالي من الإيمان لذا نراه يشك في كلام الملاك، ويبحث عن دليل لهذا الكلام، رغم أنه قضى حياته وهو يطلب ابنًا من الله. إنجيل اليوم يجعلنا أمام محورين أساسيين: الأول ( الله يسمع طلب زكريا) والثاني (صمت زكريا)، محورين لا يتشابهان على الإطلاق. إن صمت زكريا هو درس بليغ يقدمه لنا لوقا الإنجيلي، مفاده أن صمت اللسان هو أولى الخطوات لكي يفتح القلب أبوابه.
ينظر الكثير من الناس اليوم إلى صمت زكريا كعقاب له من الله لأنه لم يؤمن بكلام الملاك. إن فرضنا أن هذا صحيح، ولكن عقاب الله قد أصبح لزكريا فرصة ليتأمل كلام الله، إنه لم يكن قصاصًا انتقاميًا، بل هو قصاص تعليمي تربوي، يدعونا للدخول إلى مدرسة الصمت والتأمل، التي كان زكريا أول من تخرج منها.
إن كانت حياتنا العملية وممارساتنا الدينية تبعدنا عن التأمل في كلام الله، فلنتذكر زكريا الكاهن ونتعظ منه. علينا أن نترك العالم لفترة معينة، من أجل أن نطهر علاقتنا مع العالم، وهذا التطهير لا يمكن له أن يتم ما لم نتوجه بأنظارنا نحو الداخل، الذات التي نبحث في كل عمل في حياتنا من أجل أن نحققها، وبالتالي اتحادها مع الله.
رَفض زكريا لكلام الملاك، جاء نتيجة توجيه أنظاره، إلى ضعف الطبيعة البشرية ومحدوديتها، لذلك نحن كمؤمنين مدعوين لكي ننظر لا فقط إلى ضعف طبيعتنا البشرية، بل وإلى قدرة الله الفائقة، فما هو مستحيل عند الناس ممكن عند الله. فلا يمكن للمسيحي أن يكون يائسًا، لأن اليأس لا يتوافق وحياة الإيمان المسيحي الذي يُشكل الرجاء أحد أركانه الأساسية.
إن عائلة زكريا الكاهن، تحمل في أسمائها مدلولات كثيرة تشير بشكل واضح على التهيئة اللازمة لاستقبال البشرى الكبيرة، بشرى ميلاد المسيح، فالبشرى بميلاد يوحنا هي نقطة انطلاق لحدث مهم في تاريخ البشرية. زكريا (الله يتذكر)، أليصابات (الله يُقسم)، يوحنا (إله الحنان أو النعمة). كل هذه الأسماء تجعلنا نقف متأملين صامتين، وكأننا وسط فساد هذا العالم، نذُكر الله ونلتحم بقسَّمِهِ ومواعيده الصادقة، ونتعلم بحنانه ونعمته الإلهية العاملة فينا، كيف نستقبل المسيح.
إخوتي المؤمنين، إن كنا قد عشنا حياتنا بنفسٍ عاقرةٍ، وجسد بلا ثمر، فعلينا أن نجعل يوحنا (نعمة الله وحنانه) في دواخلنا، لكي يهيئنا لاستقبال المسيح، ليحررنا من عقمنا، ويجعله خصيبًا، ولكي ينفتح لساننا وينطق بالبركة التي انتظرها الشعب طويلاً.
القس
أفرام كليانا دنخا
28/11/2008